لم تكن القوات المسلحة المصرية في 5 يونيو 1967، على استعداد للحرب بأي صورة من
الصور وما أن بدأت الحرب وشنت إسرائيل الهجوم على القوات المصرية التي لم تكن تتوقع
الضربة، حتى صدر أمر للجنود بالانسحاب وبرغم حالة الذهول والتخبط في صفوف القوات
المصرية، إلا أن قوات الصاعقة المصرية أو رجال القوات الخاصة كانوا أول من أفاق من
هذا الذهول ليبدأوا حرباً حقيقية. وعن عمليات الصاعقة التي ألقت الرعب في صفوف
الجنود الإسرائيليين، يحكي اللواء نبيل شكري والذي عين رئيساً لأركان القوات
الخاصة. الصاعقة. بعد حرب الأيام الستة ثم قائد الوحدات الصاعقة بعد ذلك، وكذلك
اللواء عبد الوهاب الزهيري بطولات الصاعقة في هذه الحرب.
يحكى اللواء نبيل شكري
قائلاً: بعدما توليت رئاسة أركان القوات الخاصة المصرية فور هزيمة سنة 1967. كانت
هناك مهام محددة للصاعقة وللقوات المسلحة مهمة رئيسية وهي إعادة بناء القوات على
مستوى الفرد من خلال رفع الروح المعنوية وزيادة التدريب بحيث لا يتأثر المقاتل
بالهزيمة التي تعرضنا لها، ومن هنا يتم إعادة تأهيل الجيش المصري ككل وهو الهدف
الرئيسي لمصر.
وفي فترة ما بعد حرب 1967، كان هدفنا هو إعادة بناء القوات
المسلحة في جميع الأفرع الرئيسية في إستراتيجية القوات المسلحة كانت رفع الروح
المعنوية للقوات المسلحة والشعب وتقديم صورة للعدو الإسرائيلي أننا لسنا مستسلمين
بل قادرين على الرد ومن هنا، كانت ضرورة القيام بعمليات إيجابية داخل الضفة الشرقية
لقناة السويس، ولم تقتصر تلك العمليات على سلاح الصاعقة فقط، بل شاركت بها جميع
أفرع القوات المسلحة: القوات الجوية والدفاع الجوي حيث قامت بنصب كمائن للطائرات
الإسرائيلية التي كانت تغير على مصر ونجحت بالفعل في إسقاط بعض تلك الطائرات، كما
شاركت المدفعية حيث قامت بضرب وتدمير بعض الأهداف الحيوية لإسرائيل، وشاركت أيضاً
البحرية بعدة عمليات مثل تدمير المدمرة إيلات وغيرها.
ويشرح قائد الصاعقة أثر
تلك العمليات قائلاً: لقد كانت لها أبعد الأثر الإيجابي على رفع الروح المعنوية
للمقاتل الذي يقوم بالتدريب والاستعداد للمعركة القادمة فبدأ يتجرأ ويعرف أن العدو
الذي يواجهه ليس هو العدو الذي لا يقهر، فالعمليات الخاصة التي كانت تتم في الضفة
الشرقية كانت مهمة جداً.
شبح مخيف
وعن عمليات الصاعقة وخوف الإسرائيليين
منها، يحكى اللواء نبيل شكري قائلاً: كانت الأفعال هي وسيلتنا نزرع الرعب في قلوب
الإسرائيليين والذين يعلمون مدى قوة القوات الخاصة ويدركون تماماً أن القوات الخاصة
عندما تقوم بعملية ما، فإنها تقوم بها على أعلى مستوى من الكفاءة القتالية
فعملياتها خلال حرب الاستنزاف أدمت إسرائيل بشدة وجعلتها تخسر يوماً بعد يوم لدرجة
أنه في حرب 1973. عندما حدث إبرار لأفراد من القوات الخاصة المصرية في داخل سيناء
حدث ذعر شديد للغاية داخل القيادة الإسرائيلية. فالعدو الإسرائيلي كان يواجه مشكلة
حقيقية مع قوات الصاعقة، فأفرادها يضربون ويدمرون في مكان غير متوقع ووقت غير متوقع
أيضاً، كذلك فإن قوات الصاعقة سرعان ما تترك ساحة المعركة وتغادرها بعد انتهاء
مهمتها لتتجه الى مكان آخر لتقوم بعملية جديدة للقوات الصاعقة تطبق مبدأ الكر والفر
إضافة الى ذلك فإن أفراد الصاعقة يعتبرون هدفاً متحركاً وليس ثابتاً، كما أن عمليات
الصاعقة يتم معظمها ليلاً تحت جنح الظلام.
في الجيش الثاني، قامت الكتيبة 13
صاعقة التي كانت تحتل منطقة دفاعية عند منطقة الثنية، هذه الكتيبة عبرت عناصر منها
شمال الكاب في قوارب مطاطية وقامت بنصب كمين شرق القناة كذلك وفي يوم 19 مارس 1969،
نجحت دورية صاعقة في نصب كمين قوى عند علامة الكيلو 19 ودمرت الدورية الإسرائيلية
وقبلها بأيام وبالتحديد في 15 مارس من نفس العام، عبرت سرية صاعقة ووصلت الى منطقة
الحوش واشتبكت مع العدو وأحدثت فيه خسائر كبيرة.
وبعد 1لك وفي أول سبتمبر سنة
1969، وصلت أيضاً دورية الى شرق الملاح واشتبكت مع العدو بعدما نصبت له كميناً
ناجحاً، وفي يوم 10 أبريل سنة 1969 قامت دورية بالعبور الى شرق القناة وزرعت حقل
ألغام وأوقعت فيه قوة من المدرعات الإسرائيلية كانت متقدمة.
ومن أشهر العمليات
التي نفذت في قطاع الجيش الثاني هي عملية نفذت في يوم 22 نوفمبر سنة 1969، حيث قامت
قوة من الكتيبة 83 بالعبور لشرق القناة ونظمت كميناً ضد قوة للعدو ودمرت 3 دبابات
له وأحدثت خسائر كبيرة في صفوفه في 6 فبراير سنة 1971، عبرت أيضاً مجموعة عناصر
ونظمت كميناً في شرق القناة لمجموعة من المدرعات الإسرائيلية ودمرت خلال الكمين بعض
مجنزراته. عملية لسان بورتوفيق تعتبر هي الأخرى من العمليات الناجحة للغاية والتي
نفذتها قوات الصاعقة المصرية. نفذتها الكتيبة 43 والتي كانت موجودة في قطاع الجيش
الثالث الميداني حيث قامت سرية من هذه الكتيبة في 11 يوليو سنة 1969، بالإغارة على
نقطة حصينة للعدو الإسرائيلي في منطقة لسان بورتوفيق. والغريب في هذا الهجوم أنه
وقع في وضح النهار وليس تحت جنح الظلام كانت معظم عمليات الصاعقة.
كذلك، من
العمليات المهمة أيضاً الهجوم الذي قام به عناصر من الكتيبة 33 صاعقة، على إحدى
نقاط العدو الحصينة في منطقة جنوب البحيرات. وخلال تلك الغارة استطاعت الصاعقة
المصرية قتل سبعة من الجنود الإسرائيليين ليس هذا فحسب، بل إنهم أسروا جندياً
إسرائيلياً وعادوا به الى غرب القناة وكانت تلك العملية ليلة 21 أبريل عام
1969.
ويضيف اللواء نبيل شكري وخلال فترة حرب الاستنزافه كانت ضربات الصاعقة
موجعة لإسرائيل. وكانت هذه الحرب فرصة جيدة للقوات المصرية للاحتكاك مع العدو
الإسرائيلي في عمليات حقيقية ومن أبرز العمليات التي لا تنساها إسرائيل قبل مصر،
عملية السبت الحزين وكانت تلك العملية في يوم السبت 30 مايو سنة 1970. وقامت خلالها
مجموعات من عناصر الكتيبة 83 صاعقة بنصب كمين للقوات الإسرائيلية في شرق القناة في
المنطقة الواقعة بين الكاب والتينة. وخلال ذلك الكمين استطاعت قوات الصاعقة المصرية
تكبيد العدو خسائر فادحة حيث دمرت له 4 دبابات بالإضافة الى 3 عربات مدرعة والأهم
من ذلك أنها استطاعت قتل وجرح 35 جندياً إسرائيلياً وأسرت أسيراً إسرائيلياً ونظراً
لفداحة الخسائر أطلقت إسرائيل على هذا اليوم اسم "السبت الحزين".
ومن العمليات
التي لا تنسى أيضاً، عملية جزيرة شدوان التي شاركت في معركتها الكتيبة 63 صاعقة
واستطاعت الصمود أمام العدو بشكل مثير للعجب حيث كان العدو قد قام يوم 23 أكتوبر
سنة 1970 بعملية إبرار جوي وبحري لقوات الكوماندوز على الجزيرة بهدف الاستيلاء
عليها. إلا أن أفراد الكتيبة استطاعوا صد الهجوم الذي استمر ثلاثة أيام، حتى رحلت
القوات الإسرائيلية التي وجدت أنها تكبدت خسائر كبيرة في المعدات والأفراد فلم تجد
مفراً من الانسحاب لتطل الجزيرة تحت السيطرة المصرية يرفرف عليها علم مصر.
رأس
العش
يروى اللواء عبد الوهاب الزهيري قصته مع حرب الستة أيام قائلاً: في يوم
الخامس من يونيو سنة 1967، كنت ضمن الكتيبة 103 صاعقة الموجودة في سيناء وكانت هناك
سرية من الكتيبة في دهب وبقيتها في مقر الكتيبة في جنوب سيناء وصدرت لنا الأوامر في
يوم 6 يونيو قرب المغرب بالتحرك من الطور الى القنطرة شرق لتلقي تعليمات قبل التوجه
الى العريش. فأرسلنا وطلبنا حضور السرية الموجودة في دهب وبالفعل تحركنا عندما
انضمت إلينا تلك السرية، ووصلنا القنطرة شرق في فجر يوم 7 يونيو ووقفنا ننتظر عودة
قائد الكتيبة من مقر القيادة حيث كان يتلقى التعليمات وحتى تلك اللحظة لم نكن نعلم
أن إسرائيل هزمتنا في الحرب ولكن في تلك الأثناء، رأينا مجموعات كبيرة من القوات
المسلحة المصرية تسير في الطريق نحو الضفة الغربية وعرفنا منهم بأوامر الانسحاب
فأصابتنا صدمة عنيفة.
كنت في بورسعيد وكان كل ما في ذهني وأذهلتنا جميعاً هو
تأمين المدينة، لكن بعد الغذاء، جاءني جندي يخبرني بأن قائد الكتيبة النقيب نزيه
العجال وقتئذ يريدني فذهبت إليه فأخبرني بأن هناك مهمة انتحارية وهي وقف تقدم
القوات الإسرائيلية التي كانت تتقدم من الضفة الشرقية شمالاً صوب بورفؤاد تريد
احتلالها ثم احتلال بوسعيد وبالتالي لا بد من وقف وعرقلة تقديمهم سريعاً جهز كل فرد
منا نفسه وأعد سلاحه.
عندما اتجهت كل مجموعة منا لمواقعها، كان ذلك قبل مغرب يوم
1 يوليو، وعندما وصلت ومعي مجموعتي الى منطقة الكاب في غرب القناة، كانت هناك
مجموعة من المدرعات الإسرائيلية قد مرت للتو وهي مكونة من 8 عربات نصف جنزير
بالإضافة الى 3 دبابات ظللت في تلك المنطقة حتى قرب فجر اليوم التالي حتى سمعت
البلاغ الذي أبلغه قائد الكتيبة 43 صاعقة الوجود في رأس العش للقيادة عبر اللاسلكي
بوجود خسائر في قواته تقدر بحوالي 50 % ويواجه مشاكل . خاصة أن المدفعية الساحلية
المصرية الموجودة في بورسعيد كانت قد قصفت مواقع للعدو لمساعدة المجموعات الثلاث،
وهنا شعرب بوجود غطاء من المدفعية دفعني الى عبور القناة للضفة الشرقية وهناك أثناء
عبوري وجدت عربتين نصف جنزير تسيران بسرعة قادمتين من رأس العش تجاه الجنوب وكان
بها جرحى فاشتبكت معهم واستطعت تدمير العربة الخلفية واستطاعت الأمامية الهروب
واستكملت بعدها وضع الألغام في المنطقة حتى إذا حاولت قوات العدو السير من هذا
الطريق في اتجاه الشمال، للدفع بتعزيزات أن تقع في هذه الألغام.
مرت بعد ذلك
عربتان للعدو فدمرتاهما ثم وقعت عربة أخرى في حقل الألغام وحاولنا تفتيشها وكان
الوقت ليلاً وعندما اقتحمناها جاء الاقتحام عبر طريق طويل لتجنب الوقوع في حقل
الألغام خاصة أن الظلام كان شديداً. وبعد ذلك مرت عربتان استطعنا تدميرهما
واقتحمناهما وأخذنا ما كان في داخلهما وهو عبارة عن صناديق أسلحة وذخيرة للدبابات
وكان مجموع الذخيرة 29 صندوقاً حملتها على كتفي لدرجة أنه تسلخ.
وقام الطيران
الإسرائيلي بعملية استطلاع فوقنا لكنه لم يضربنا، وفي المساء طلبني مدير مكتب
القيادة في الإسماعيلية العقيد حسن عبد الغني وقال لي بالحرف الواحد إن هناك "كول"
مجموعة مدرعات إسرائيلية. انطلقت من الجنوب في اتجاه الشمال نحو بورفؤاد، ولو مر
هذا الكول لضاعت بورفؤاد وبورسعيد أيضاً.
فرددت عليه قائلاً: لن يمر من خلالنا
وثق يا أفندم أنه لن يمر إلا إذا كنا جثثاً هامدة، أطمئن يا أفندم لن يمر إن شاء
الله.
فقال لي: أمل مصر فيكم يا عبد الوهاب. وبالفعل، جاءت المدرعات والدبابات
الإسرائيلية اشتبكنا معها ودمرنا أول دبابة وكذلك عربتين نصف جنزير وراءها وعادت
بقية المدرعات الإسرائيلية الى الخلف بذعر شديد.
وأتذكر أنني عندما عبرت القناة
من التينة، كان ذلك قبل المغرب مباشرة ولم نكن قد أكلنا شيئاً منذ يوم السبت. يوم
خرجنا في هذه المهمة. حتى يوم الثلاثاء وكان كل ما نأكله هو عبارة عن أغذية من
معلبات حصلنا عليها من العربات الإسرائيلية التي كنا ندمرها.
جواسيس سقطوا بسبب
نوتة
وأثناء التفتيش كان هناك جندي إسرائيلي قتيل، كانت في جيبه نوتة،
والتلمود والتوراة، هذه النوتة أبرز ما كان بها هو ثلاثة عناوين ورسم كروكي للوصول
الى هذه العناوين انطلاقاً من محطة القطارات وهذه العناوين أولها في بورسعيد
والثاني في المنصورة والثالث في كفر الدوار، بالإضافة لكارنيه سكك حديد فجاء لي شخص
بسرعة من المخابرات الحربية لأخذ هذه النوتة وهذه العناوين التي تتضمن مكان جواسيس
لإسرائيل في مصر.
ويتذكر اللواء عبد الوهاب الزهيري القصص التي شهدها في تلك
المعركة والتي جسدها الجنود الذين كانوا في مجموعته قائلاً خلال المعارك أصيب فكري
طاحون بشظية في رأسه وكان الدم يسيل على وجهه فقلت له: أذهب لعبور القناة للغرب حتى
يستطيعوا أن ينقلوك لأقرب مستشفى لتلقى العلاج.
ولكنك فكري رد على رداً أثار
فخري وإعجابي قائلاً: للمرة الأولى والأخيرة يا أفندم لن أنفذ تعليماتك وأوامرك لن
أفعل ذلك لقد جئت هنا معك وسأظل كذلك حتى نعود معاً أو نموت معاً.
الصور وما أن بدأت الحرب وشنت إسرائيل الهجوم على القوات المصرية التي لم تكن تتوقع
الضربة، حتى صدر أمر للجنود بالانسحاب وبرغم حالة الذهول والتخبط في صفوف القوات
المصرية، إلا أن قوات الصاعقة المصرية أو رجال القوات الخاصة كانوا أول من أفاق من
هذا الذهول ليبدأوا حرباً حقيقية. وعن عمليات الصاعقة التي ألقت الرعب في صفوف
الجنود الإسرائيليين، يحكي اللواء نبيل شكري والذي عين رئيساً لأركان القوات
الخاصة. الصاعقة. بعد حرب الأيام الستة ثم قائد الوحدات الصاعقة بعد ذلك، وكذلك
اللواء عبد الوهاب الزهيري بطولات الصاعقة في هذه الحرب.
يحكى اللواء نبيل شكري
قائلاً: بعدما توليت رئاسة أركان القوات الخاصة المصرية فور هزيمة سنة 1967. كانت
هناك مهام محددة للصاعقة وللقوات المسلحة مهمة رئيسية وهي إعادة بناء القوات على
مستوى الفرد من خلال رفع الروح المعنوية وزيادة التدريب بحيث لا يتأثر المقاتل
بالهزيمة التي تعرضنا لها، ومن هنا يتم إعادة تأهيل الجيش المصري ككل وهو الهدف
الرئيسي لمصر.
وفي فترة ما بعد حرب 1967، كان هدفنا هو إعادة بناء القوات
المسلحة في جميع الأفرع الرئيسية في إستراتيجية القوات المسلحة كانت رفع الروح
المعنوية للقوات المسلحة والشعب وتقديم صورة للعدو الإسرائيلي أننا لسنا مستسلمين
بل قادرين على الرد ومن هنا، كانت ضرورة القيام بعمليات إيجابية داخل الضفة الشرقية
لقناة السويس، ولم تقتصر تلك العمليات على سلاح الصاعقة فقط، بل شاركت بها جميع
أفرع القوات المسلحة: القوات الجوية والدفاع الجوي حيث قامت بنصب كمائن للطائرات
الإسرائيلية التي كانت تغير على مصر ونجحت بالفعل في إسقاط بعض تلك الطائرات، كما
شاركت المدفعية حيث قامت بضرب وتدمير بعض الأهداف الحيوية لإسرائيل، وشاركت أيضاً
البحرية بعدة عمليات مثل تدمير المدمرة إيلات وغيرها.
ويشرح قائد الصاعقة أثر
تلك العمليات قائلاً: لقد كانت لها أبعد الأثر الإيجابي على رفع الروح المعنوية
للمقاتل الذي يقوم بالتدريب والاستعداد للمعركة القادمة فبدأ يتجرأ ويعرف أن العدو
الذي يواجهه ليس هو العدو الذي لا يقهر، فالعمليات الخاصة التي كانت تتم في الضفة
الشرقية كانت مهمة جداً.
شبح مخيف
وعن عمليات الصاعقة وخوف الإسرائيليين
منها، يحكى اللواء نبيل شكري قائلاً: كانت الأفعال هي وسيلتنا نزرع الرعب في قلوب
الإسرائيليين والذين يعلمون مدى قوة القوات الخاصة ويدركون تماماً أن القوات الخاصة
عندما تقوم بعملية ما، فإنها تقوم بها على أعلى مستوى من الكفاءة القتالية
فعملياتها خلال حرب الاستنزاف أدمت إسرائيل بشدة وجعلتها تخسر يوماً بعد يوم لدرجة
أنه في حرب 1973. عندما حدث إبرار لأفراد من القوات الخاصة المصرية في داخل سيناء
حدث ذعر شديد للغاية داخل القيادة الإسرائيلية. فالعدو الإسرائيلي كان يواجه مشكلة
حقيقية مع قوات الصاعقة، فأفرادها يضربون ويدمرون في مكان غير متوقع ووقت غير متوقع
أيضاً، كذلك فإن قوات الصاعقة سرعان ما تترك ساحة المعركة وتغادرها بعد انتهاء
مهمتها لتتجه الى مكان آخر لتقوم بعملية جديدة للقوات الصاعقة تطبق مبدأ الكر والفر
إضافة الى ذلك فإن أفراد الصاعقة يعتبرون هدفاً متحركاً وليس ثابتاً، كما أن عمليات
الصاعقة يتم معظمها ليلاً تحت جنح الظلام.
في الجيش الثاني، قامت الكتيبة 13
صاعقة التي كانت تحتل منطقة دفاعية عند منطقة الثنية، هذه الكتيبة عبرت عناصر منها
شمال الكاب في قوارب مطاطية وقامت بنصب كمين شرق القناة كذلك وفي يوم 19 مارس 1969،
نجحت دورية صاعقة في نصب كمين قوى عند علامة الكيلو 19 ودمرت الدورية الإسرائيلية
وقبلها بأيام وبالتحديد في 15 مارس من نفس العام، عبرت سرية صاعقة ووصلت الى منطقة
الحوش واشتبكت مع العدو وأحدثت فيه خسائر كبيرة.
وبعد 1لك وفي أول سبتمبر سنة
1969، وصلت أيضاً دورية الى شرق الملاح واشتبكت مع العدو بعدما نصبت له كميناً
ناجحاً، وفي يوم 10 أبريل سنة 1969 قامت دورية بالعبور الى شرق القناة وزرعت حقل
ألغام وأوقعت فيه قوة من المدرعات الإسرائيلية كانت متقدمة.
ومن أشهر العمليات
التي نفذت في قطاع الجيش الثاني هي عملية نفذت في يوم 22 نوفمبر سنة 1969، حيث قامت
قوة من الكتيبة 83 بالعبور لشرق القناة ونظمت كميناً ضد قوة للعدو ودمرت 3 دبابات
له وأحدثت خسائر كبيرة في صفوفه في 6 فبراير سنة 1971، عبرت أيضاً مجموعة عناصر
ونظمت كميناً في شرق القناة لمجموعة من المدرعات الإسرائيلية ودمرت خلال الكمين بعض
مجنزراته. عملية لسان بورتوفيق تعتبر هي الأخرى من العمليات الناجحة للغاية والتي
نفذتها قوات الصاعقة المصرية. نفذتها الكتيبة 43 والتي كانت موجودة في قطاع الجيش
الثالث الميداني حيث قامت سرية من هذه الكتيبة في 11 يوليو سنة 1969، بالإغارة على
نقطة حصينة للعدو الإسرائيلي في منطقة لسان بورتوفيق. والغريب في هذا الهجوم أنه
وقع في وضح النهار وليس تحت جنح الظلام كانت معظم عمليات الصاعقة.
كذلك، من
العمليات المهمة أيضاً الهجوم الذي قام به عناصر من الكتيبة 33 صاعقة، على إحدى
نقاط العدو الحصينة في منطقة جنوب البحيرات. وخلال تلك الغارة استطاعت الصاعقة
المصرية قتل سبعة من الجنود الإسرائيليين ليس هذا فحسب، بل إنهم أسروا جندياً
إسرائيلياً وعادوا به الى غرب القناة وكانت تلك العملية ليلة 21 أبريل عام
1969.
ويضيف اللواء نبيل شكري وخلال فترة حرب الاستنزافه كانت ضربات الصاعقة
موجعة لإسرائيل. وكانت هذه الحرب فرصة جيدة للقوات المصرية للاحتكاك مع العدو
الإسرائيلي في عمليات حقيقية ومن أبرز العمليات التي لا تنساها إسرائيل قبل مصر،
عملية السبت الحزين وكانت تلك العملية في يوم السبت 30 مايو سنة 1970. وقامت خلالها
مجموعات من عناصر الكتيبة 83 صاعقة بنصب كمين للقوات الإسرائيلية في شرق القناة في
المنطقة الواقعة بين الكاب والتينة. وخلال ذلك الكمين استطاعت قوات الصاعقة المصرية
تكبيد العدو خسائر فادحة حيث دمرت له 4 دبابات بالإضافة الى 3 عربات مدرعة والأهم
من ذلك أنها استطاعت قتل وجرح 35 جندياً إسرائيلياً وأسرت أسيراً إسرائيلياً ونظراً
لفداحة الخسائر أطلقت إسرائيل على هذا اليوم اسم "السبت الحزين".
ومن العمليات
التي لا تنسى أيضاً، عملية جزيرة شدوان التي شاركت في معركتها الكتيبة 63 صاعقة
واستطاعت الصمود أمام العدو بشكل مثير للعجب حيث كان العدو قد قام يوم 23 أكتوبر
سنة 1970 بعملية إبرار جوي وبحري لقوات الكوماندوز على الجزيرة بهدف الاستيلاء
عليها. إلا أن أفراد الكتيبة استطاعوا صد الهجوم الذي استمر ثلاثة أيام، حتى رحلت
القوات الإسرائيلية التي وجدت أنها تكبدت خسائر كبيرة في المعدات والأفراد فلم تجد
مفراً من الانسحاب لتطل الجزيرة تحت السيطرة المصرية يرفرف عليها علم مصر.
رأس
العش
يروى اللواء عبد الوهاب الزهيري قصته مع حرب الستة أيام قائلاً: في يوم
الخامس من يونيو سنة 1967، كنت ضمن الكتيبة 103 صاعقة الموجودة في سيناء وكانت هناك
سرية من الكتيبة في دهب وبقيتها في مقر الكتيبة في جنوب سيناء وصدرت لنا الأوامر في
يوم 6 يونيو قرب المغرب بالتحرك من الطور الى القنطرة شرق لتلقي تعليمات قبل التوجه
الى العريش. فأرسلنا وطلبنا حضور السرية الموجودة في دهب وبالفعل تحركنا عندما
انضمت إلينا تلك السرية، ووصلنا القنطرة شرق في فجر يوم 7 يونيو ووقفنا ننتظر عودة
قائد الكتيبة من مقر القيادة حيث كان يتلقى التعليمات وحتى تلك اللحظة لم نكن نعلم
أن إسرائيل هزمتنا في الحرب ولكن في تلك الأثناء، رأينا مجموعات كبيرة من القوات
المسلحة المصرية تسير في الطريق نحو الضفة الغربية وعرفنا منهم بأوامر الانسحاب
فأصابتنا صدمة عنيفة.
كنت في بورسعيد وكان كل ما في ذهني وأذهلتنا جميعاً هو
تأمين المدينة، لكن بعد الغذاء، جاءني جندي يخبرني بأن قائد الكتيبة النقيب نزيه
العجال وقتئذ يريدني فذهبت إليه فأخبرني بأن هناك مهمة انتحارية وهي وقف تقدم
القوات الإسرائيلية التي كانت تتقدم من الضفة الشرقية شمالاً صوب بورفؤاد تريد
احتلالها ثم احتلال بوسعيد وبالتالي لا بد من وقف وعرقلة تقديمهم سريعاً جهز كل فرد
منا نفسه وأعد سلاحه.
عندما اتجهت كل مجموعة منا لمواقعها، كان ذلك قبل مغرب يوم
1 يوليو، وعندما وصلت ومعي مجموعتي الى منطقة الكاب في غرب القناة، كانت هناك
مجموعة من المدرعات الإسرائيلية قد مرت للتو وهي مكونة من 8 عربات نصف جنزير
بالإضافة الى 3 دبابات ظللت في تلك المنطقة حتى قرب فجر اليوم التالي حتى سمعت
البلاغ الذي أبلغه قائد الكتيبة 43 صاعقة الوجود في رأس العش للقيادة عبر اللاسلكي
بوجود خسائر في قواته تقدر بحوالي 50 % ويواجه مشاكل . خاصة أن المدفعية الساحلية
المصرية الموجودة في بورسعيد كانت قد قصفت مواقع للعدو لمساعدة المجموعات الثلاث،
وهنا شعرب بوجود غطاء من المدفعية دفعني الى عبور القناة للضفة الشرقية وهناك أثناء
عبوري وجدت عربتين نصف جنزير تسيران بسرعة قادمتين من رأس العش تجاه الجنوب وكان
بها جرحى فاشتبكت معهم واستطعت تدمير العربة الخلفية واستطاعت الأمامية الهروب
واستكملت بعدها وضع الألغام في المنطقة حتى إذا حاولت قوات العدو السير من هذا
الطريق في اتجاه الشمال، للدفع بتعزيزات أن تقع في هذه الألغام.
مرت بعد ذلك
عربتان للعدو فدمرتاهما ثم وقعت عربة أخرى في حقل الألغام وحاولنا تفتيشها وكان
الوقت ليلاً وعندما اقتحمناها جاء الاقتحام عبر طريق طويل لتجنب الوقوع في حقل
الألغام خاصة أن الظلام كان شديداً. وبعد ذلك مرت عربتان استطعنا تدميرهما
واقتحمناهما وأخذنا ما كان في داخلهما وهو عبارة عن صناديق أسلحة وذخيرة للدبابات
وكان مجموع الذخيرة 29 صندوقاً حملتها على كتفي لدرجة أنه تسلخ.
وقام الطيران
الإسرائيلي بعملية استطلاع فوقنا لكنه لم يضربنا، وفي المساء طلبني مدير مكتب
القيادة في الإسماعيلية العقيد حسن عبد الغني وقال لي بالحرف الواحد إن هناك "كول"
مجموعة مدرعات إسرائيلية. انطلقت من الجنوب في اتجاه الشمال نحو بورفؤاد، ولو مر
هذا الكول لضاعت بورفؤاد وبورسعيد أيضاً.
فرددت عليه قائلاً: لن يمر من خلالنا
وثق يا أفندم أنه لن يمر إلا إذا كنا جثثاً هامدة، أطمئن يا أفندم لن يمر إن شاء
الله.
فقال لي: أمل مصر فيكم يا عبد الوهاب. وبالفعل، جاءت المدرعات والدبابات
الإسرائيلية اشتبكنا معها ودمرنا أول دبابة وكذلك عربتين نصف جنزير وراءها وعادت
بقية المدرعات الإسرائيلية الى الخلف بذعر شديد.
وأتذكر أنني عندما عبرت القناة
من التينة، كان ذلك قبل المغرب مباشرة ولم نكن قد أكلنا شيئاً منذ يوم السبت. يوم
خرجنا في هذه المهمة. حتى يوم الثلاثاء وكان كل ما نأكله هو عبارة عن أغذية من
معلبات حصلنا عليها من العربات الإسرائيلية التي كنا ندمرها.
جواسيس سقطوا بسبب
نوتة
وأثناء التفتيش كان هناك جندي إسرائيلي قتيل، كانت في جيبه نوتة،
والتلمود والتوراة، هذه النوتة أبرز ما كان بها هو ثلاثة عناوين ورسم كروكي للوصول
الى هذه العناوين انطلاقاً من محطة القطارات وهذه العناوين أولها في بورسعيد
والثاني في المنصورة والثالث في كفر الدوار، بالإضافة لكارنيه سكك حديد فجاء لي شخص
بسرعة من المخابرات الحربية لأخذ هذه النوتة وهذه العناوين التي تتضمن مكان جواسيس
لإسرائيل في مصر.
ويتذكر اللواء عبد الوهاب الزهيري القصص التي شهدها في تلك
المعركة والتي جسدها الجنود الذين كانوا في مجموعته قائلاً خلال المعارك أصيب فكري
طاحون بشظية في رأسه وكان الدم يسيل على وجهه فقلت له: أذهب لعبور القناة للغرب حتى
يستطيعوا أن ينقلوك لأقرب مستشفى لتلقى العلاج.
ولكنك فكري رد على رداً أثار
فخري وإعجابي قائلاً: للمرة الأولى والأخيرة يا أفندم لن أنفذ تعليماتك وأوامرك لن
أفعل ذلك لقد جئت هنا معك وسأظل كذلك حتى نعود معاً أو نموت معاً.