معركة رأس العش
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]ا
رقيب أول/ حسني السيد
سلامه
سلامه
من غير الممكن ان
نتحدث عن معركة رأس العش التي وقعت بعد أيام قليلة من نكسة 67 دون أن نتعرض
للنكسة ذاتها وما شابها من أحداث، فقد اتُهم الجندي المصري بالفشل
والهزيمة بينما نحن لم نحارب ولم نقابل جندي إسرائيلي واحد.
لكننا برغم ذلك تلقينا قرارا غريبا بالانسحاب من ارض المعركة بدون نظام،
فعدنا منهزمين نفسيا كبقايا لوحدات عسكرية، فمثلا كتيبة الصاعقة التي كان
قوامها يزيد على 350 فرد عاد منها ما لا يتعدى 140 فرد!
عدنا إلى بورسعيد حيث اقمنا في مدرسة "أشتوم الجميل" الخاصة ببورسعيد نحاول
استيعاب ما حدث، وبعد يومين وصلت الينا كميات من أسلحة مضادة للدبابات
عبارة عن RBJ من طراز جديد يدعى RBJ7 عديم الارتداد بينما كان الجنود
مدربون فقط ونظريا على طراز RBJ2 العتيق وهو سلاح استخدمه الاتحاد السوفيتي
في الحرب العالمية الأولى وكان ضعيف التأثير والمدى، بينما استخدم RBJ7 في
الحرب العالمية الثانية ومع ذلك لم يصل الينا إلا بعد النكسة اي بعد ما
يزيد عن عشرين عاما على استخدامه في الحرب العالمية الثانية.
بعد ان استلمنا شحنات الـ RBJ7 ادركت انه وصل الينا بدون ذخيرة، فقمنا
بالاتصال بقيادة الجيش فاخبرونا ان الذخيرة ستصل في اليوم التالي وهو ما
حدث بالفعل، لكن السلاح برغم ذلك وصل بدون دلائل الاستخدام (الكتالوجات)
التي من المفترض ان تشرح اسلوب استخدام السلاح وقاعدة التصويب الخاصة به
لانه يختلف تماما عن الطراز القديم الذي تلقى الجنود تدريبهم عليه.
لكنني بعد فحص السلاح اكتشفت تطابقا بين تلسكوب التصويب الخاص به وبين
تلسكوب المدفع الرشاش 14.5 المضاد للطائرات الذي تلقيت فرقة في استخدامه
عام 1962 في مدرسة المدفعية وحصلت فيها على تقدير امتياز.
فأعلنت لقائد سريتي النقيب/ احمد عبد الحميد سعودي قدرتي على استخدام
السلاح الجديد لكنه لم يقتنع الى ان توصلنا لاتفاق بان اجري تجربة عملية
امامه في مطار الجميل بغرب بورسعيد وبعد نجاح التجربة كلفتني قيادة الكتيبة
بتدريب جميع الجنود من حملة الـ RBJ2 على السلاح الجديد اعتبارا من صباح
اليوم التالي.. طبعا التدريب يبدأ من تعليم فك وتركيب السلاح وحركته
الميكانيكية ثم قاعدة التصويب الخاصة به .. الخ.
وبعد ثلاثة ايام من التدريب النظري وقبل ان يبدأ التدريب العملي وصل
الملازم/ تحسين عبد القادر في العاشرة من صباح اليوم الرابع وطلب مني جمع
الجنود المتواجدين في المدرسة من أي فئة بعد ان وصلت معلومات بأن اليهود في
طريقهم إلى مدينة بورفؤاد الواقعة في مواجهة بورسعيد على الضفة الشرقية
للقناة.
وبالفعل جمعنا كل من
وجدناه فكنا حوالي 18 مجند اضافة الى ضابط واحد برتبة ملازم ويدعى فتحي
على عبدالله، وكل منا حمل ما استطاع من اسلحة وذخائر واستقللنا عربة عسكرية
وسلكنا طريق المعاهدة بورسعيد الإسماعيلية حتى وصلنا إلى نقطة ارشاد السفن
المسماة برأس العش وترجلنا حتى شاطئ القناة وتولى نقلنا للضفة الشرقية أحد
اللنشات الصغيرة الخاصة بهيئة قناة السويس.
وكانت المهمة واضحة تماما وهي منع اليهود من دخول بورفؤاد الا فوق اجسادنا،
وكانت بورفؤاد خلفنا بحوالي 8 كم بينما أمامنا على بعد 2 كم تقريبا كنا
نرى اليهود بالعين المجردة يتحركون بين مجنزراتهم وكأنهم ذاهبون إلى نزهة
بينما نحن بامكانيات شبه منعدمة بمعداتنا الخفيفة، بدون أدوات حفر، أو
وسائل إعاشة أو حتى باقي معدات القتال.
طبيعة الأرض التي جرت عليها المعركة كانت غاية في الصعوبة فهي عبارة عن
لسان من الأرض موازي للقناة وسط المياه لا يزيد عرضه على 60 أو 70 متر على
يمينه قناة السويس وعلى يساره منطقة ملاحات يصعب الخوض فيها، وكان هذا
اللسان هو الطريق الوحيد للوصول إلى بورفؤاد وهو ما يعني أنه لكي يحتل
اليهود المدينة يجب أن يمروا من هذا الطريق وعلى الأخص الجانب الأقرب
للقناة لأنه الجزء الأصلب من الأرض.
بحكم دراستي للفنون العسكرية كنت على يقين ان اليهود يستخدمون دائما اسلوب
"الالتفاف والتطويق" لمحاصرة العدو بدلا من المواجهة المباشرة التي يخشونها
ولذلك وعند توزيع الأفراد على الموقع وضعت فردين في المؤخرة بمدافع رشاشة
خفيفة تحسبا لتطويقنا من الخلف.
كان ينبغي علينا أن نمهد الأرض عسكريا استعداد لملاقاة العدو فكان على كل
جندي ان يحفر لنفسه ما يسمى بالحفرة البرميلية وهي حفرة مستديرة قطرها نحو
80 سم بعمق يسمح للجندي بالنزول فيها بحيث لا يظهر منه الا رأسه وأكتافه،
ونظرا لغياب أدوات الحفر كان الجنود يحفرون بأيديهم حقيقة لا مجازا في
الأرض الصلبة وبسونكي البندقية والدبشك الحديدي لتكوين الحفر البرميلية
والسواتر الترابية، وتم حفر حفرة برميلية أكبر قليلا للملازم فتحي عبدالله
في المؤخرة ومعه جندي الاتصال ليبقى على صلة بالقيادة طوال الوقت.
وبحلول الساعة الرابعة عصرا كان قد وصل الينا دعم ممثل في مدفع من طراز ب10
المضاد للدبابات عديم الارتداد بطاقم مكون من 3 أفراد، وهو مدفع أكبر حجما
وابعد مدى ويعمل عليه فردان، فرد للتعمير وفرد للضرب وهو يطلق صوت مرعب
لذا ينبغي لمن يعمل عليه ان يرتدي كاتم للصوت لحماية اذنيه.
كما وصل التالي:
- 4 رشاش خفيف + اربعة أفراد
- 1 جهاز اشارة R105 من فصيلة الإشارة بفرد يحمله
- مدفع رشاش متوسط (يعمل بشريط طلقات بعدد 250 طلقة) بعدد فردين من سرية
المعاونة
وهكذا أصبح عدد القوة بالضفة الشرقية 24 مقاتل بقيادة الملازم/ فتحي
عبدالله وهو ضابط حديث التخرج قليل الخبرة لم يشترك من قبل في اعمال قتالية
حيث تم دفعه إلى الجبهة في نهاية شهر مايو 1967 أي قبل النكسة بأيام.
وتم الدفع بجماعة من المهندسين العسكريين في منتصف المسافة بيننا وبين
اليهود لزراعة الألغام المضادة للدبابات والأفراد في عجالة.. كل هذا تحت
سمع وبصر اليهود.
كما احتلت فصيلة هاون بقيادة الملازم/ نادر عبدالله خلف نقطة الإرشاد على
الضفة المقابلة وصعد أحد افراد الاستطلاع إلى صهريج المياه الخرساني لتوجيه
النيران متى بدأ الاشتباك.
كذلك احتلت فصيلة قوامها 26 مقاتل بقيادة النقيب سيد اسماعيل امبابي خلف
اعواد البوص على طريق معاهدة القناة بالمنطقة المقابلة لبداية تقدم اليهود.
بالطبع كل هذه التحركات كانت مكشوفة وبالعين المجردة لليهود لكنهم برغم ذلك
ارسلوا طائرة استطلاع صغيرة (سوبر بكب) حلقت فوق مواقعنا على ارتفاع منخفض
جدا حتى انني رأيت من موقعي قائد الطائرة وهو ينظر لنا ويضحك ولابد أنه
احصانا كلنا فردا فردا وعرف ما نحمله من معدات، فضلا عن بث الرعب في
نفوسنا... هذا الطيار لابد أنه أبلغهم على الجانب الآخر الا يقيموا لنا أي
حساب فلابد أننا سنفر عند اول مواجهة!
عدل سابقا من قبل مؤمن حسن22 في الأربعاء فبراير 10, 2010 2:44 pm عدل 1 مرات